لا زال علي اكتشاف هدف حقيقي وواضح للكلمات ...
أن تكون بلا هدف ولا معنى ، هو أن لا تحيا ، ما
الذي ينقصني لأستطيع السيطرة على الكلمات وتحويلها إلى مادة تصلح للقراءة ؟؟ ..
هذا التبلد وعدم القدرة على مجاراة الكلمات ،
يولد إحساسا مؤلما بالعجز ، عن أي ملكة وقدرة كتابية أتحدث إن كنت لا أستطيع أن
أكتب شيئا ذا قيمة ؟ ..
كثر هم المهرطقون والثرثارون ، كثر جدا ، ولا
ينقصهم أن أكون زائدا يظاف إلى زمرة البوهيميين الذين لا معنى لهم سوى إضافة عبء
آخر على الحياة ، أو أولئك الذين يسفون بالكلمات وبأنفسهم وبالحياة فيها ، ماذا
يعني أن أعيش بشكل عادي كأي أحد يمكن أن يستبدل بأي أحد آخر دون أن يحدث فرقا
حقيقيا ؟؟!!
يقول الفيلسوف العظيم علي بن أبي طالب : (
الناس نيام ، إذا ماتوا انتبهوا ) ، هذا الوهم الكبير الذي نلهث خلفه ، هذا العبث
اللانهائي ، هذا العالم الهلامي الذي تحدجنا منه عين اليقظة كعيون صقرية حادة
تنتظر أن تنقض في أي لحظة ، ما القيمة الحقيقية منه ، إن كانت النهاية واحدة
ومعروفة ومحسومة سلفا منذ الأزل وبشكل فطري ؟
لم
تكن طفرة معرفية حين وضع انسكمندريس أولى قواعد النشء والتطور منذ 600 عام قبل
الميلاد ( إن كل ما ينشأ يصيبه الفناء ،
وكل ما يولد جدير بالموت ) ، لأننا ندرك فطريا حقيقة الوجود الإنساني
المؤقت. غير أننا ببساطة كما عبر عنا جان جاك روسو ، نتصور الموت والفناء يلحق كل
شيء لكن لا نتصوره في أنفسنا ، وكأننا في
عصمة منه .
الموت، الهاجس التراجيدي الرومانسي الذي تعاطى معه الكثير
من المفكرين والفلاسفة والأدباء بطرق مختلفة ، فنجد كاتب كبير كـ كازنتزاكيس
يستجدي الوقت ( يخطر لي أن أجلس على قارعة الطريق وأمد يدي للناس : صدقة يا محسنين
، قليل من الوقت ، حبا في الرب ) لأنه في زاوية قصية من عقله يقرع هاجس الموت الذي
قد يسلب منه مشاريعه ورغبته المحمومة في الكتاب : ( أريد ما يكفي من الوقت لأنهي ما
أفكر بكتابته ، وبعدها فليأت كيرون !! ) ، في حين نجد كاتبا كـ بورخيس أو كما يسميه
الأرجنتينيون ( عنقاء بوينس أيرس ) ينازعه هاجس آخر غير موت ، إنه الخوف من نقيضه
، الخلود ( أنا لا أخاف الموت ، لكنني أخاف الخلود ) ، إذ يتساوى في لحظة ما ذلك
التمسك الفطري بالحياة بذلك الخوف الفطري في المقابل من اللانهاية . فيبدو الموت
في تصوره البسيط أقل قسوة من الأبدية .
مابعد الموت ،الكون البرزخي المثير للفضول ،
الذي دفع الكثير من الفضوليين الرومانسيين إلى اقتحامه طوعا ، هذا ما فعله أحد شعراء
اليابان حين انتحر بطريقه كلاسيكية ، ورسم لوحة غاية في الجمال ، حيث انتحر بطريقة
الساموراي الشهيرة ، مبعثرا حوله قصائده وقصاصة كتب عليها ( أنا ذاهب لاكتشاف
العالم الآخر ) . أو كما فعل الفيلسوف الإغريقي إيمبيدوكلس بطريقة أسطورية تليق
بإغريقي حين ألقى بنفسه في فوهة بركان صقلية إم تي إتنا معتقدا أن البركان سيطمس
معالمه ويتحلل فيتصاعد إلى السماء ليصبح إلها.
ورغم كل هذه الشاعرية الحالمة في تصور الموت
أو في ما بعد الحياة ، إلا أنه لا أكثر من إثبات لهذه الحلقة العبثية لملايين الملايين
من النسخ المكررة ، التي لم يذكر منها سوى
بضع مئات من أولئك الذين عرفوا بعبقريتهم كيف يطبعون بصمات خالدة لا تتحلل مع
أجسادهم الآيلة إلى التراب .
إنها ليست الرغبة المحمومة للشهرة ، الشهرة مؤقتتة أيضا ، وضيقة جدا ، ولكنها
الرغبة في مقارعة الحياة والسخرية من قانون العدمية والفناء ، إنه تحايل على الموت
وتحايل على النهايات المكررة والمحسومة . ولان الحياة دموية تستعذب المأساة ، فإن
السفاحين والقتلة يبلغون غاياتهم بسهولة أكبر من الشعراء والإنسانيين الذين قد لا
يصلون أبدا .
طفول زهران
17 \ 2 \ 2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق