الأربعاء، 13 مارس 2013

مسرحَة .... مشهد 2






هكذا يجلس الغرباء ..

طاولة بيضاء عارية ذات وجه مخطط كبصمة ضخمة .

المكان مكتض ، لكن تبدو الطاولة منعزلة وسط ذلك الطوفان البشري الكبير.

فتاة آسوية تجلس وحيدة تعد أصابعها النحيلة ببرود يجمد كل الأشياء حولها.

شعرها حالك مسترتسل حتى كتفيها وعلى رأسها تلف شريطا أبيضا رفيعا من الحرير .

عيناها صغيرتان تسيلان بانحناءة حادة إلى الخلف، ووجهها دائري مخبوز بالكاد تنتأ منه أرنبة أنفها الصغيرة. ترتدي قميصا أبيضا من الكتان ، وتنورة زرقاء داكنة قصيرة تكشف عن ساقين نحيلين يتقاطعان عند القدم المحفوظة في حذاء أسود أنيق.

ورغم كل هذا الترتيب والتفاصيل المصفوفة بعناية بالغة ، توشحها هالة جنائزية ثقيلة.

صوت كعب يطرق الأرض يقترب منها حثيثا ، ترفع عيناها لتتأمل مزيج الوجوه الكثيرة المبعثرة أمامها كخرز طوق مقطوع ، وتنفرج شفتها الدقيقة عن ابتسامة باردة.

فتاتان تقتربان منها ، تبدوان كنسخة مكررة عنها ، ذات الملامح والتفاصيل ، تتوقفان خلفها وتعتدل هي لتشد ظهرها على الكرسي الأحمر.

تمسك الفتاة الواقفة على اليمين بجهاز آيباد أنيق ، وتمده امام الوجوه الثلاثة لتنعس على شاشته الصغيرة ، وتلمس الأخرى أيقونة التصوير لتنطبع الصورة الثلاثية المكررة على وجه الشاشة.

تدني الجالسة تلك الصورة منها وتتآملها بوجه خال من التعابير، وعينان منطفئة البريق.

تختطف الواقفة على يمينها الجاهز وتطلق الأخرى ضحكة هامسة وتمضيان كما جاءتا حثيثا دون التفات، وتبتعدان حتى تضيعان في ازدحام الوجوه الكثيرة الغريبة.

تعود وحيدة تعد أصابعها ورأسها محني بلا حياة.

لاشيء يتحرك سوى الأصابع النخيفة ، وكل الأشياء مجمدة .

تهمي الأرض من حولها وتبتلع كل شيء ، وتبقى هي معلقة في الفراغ.

فتاة آسوية غريبة تعد أصابعها وتتمدد كخيوط تعيد نسج تفاصيل وجه حبيب ... ربما وجه الوطن!.


طفول زهران
13 مارس 2013


الثلاثاء، 12 مارس 2013

مسرحَة ... المشهد 1





بتأنٍ، تجتر القدم النحيلة ناتئة العظام النعال السوداء المسطحة ..

اليد النحاسية بارزة العروق على شكل وشم أزرق لطلاسم منسية مع الزمن ، تمسك بحرص باقة من الورود الجهنمية البيضاء.
في منتصف المسافة المعلقة بين الجسدين الواهنين تتشابك أصابع ذابلة .

على الضفة الأخرى من حدود الجسدين يد عريضة مليئة بالأخاديد تقبض على الرأس الذهبي للعكاز الخشبي المصقول والممسوح بدهان مائل لحمرة كلاسيكية قديمة.

بتأنٍ، تجتر القدم المرتعشة الحذاء الجلدي الأنيق.

إلى اليمين جسد يسير بانحناءة صغيرة وقورة ... تنورة مخملية سوداء طويلة وقميص حريري يختلط فيه السواد بالبياض ، وشعر فضي يلفه شال أبيض

إلى اليسار ينتصب جسد بقي مختفظا بشيء من وسامة الأمس .. بنطال أسود ثقيل وقميص كحلي مغزول بخطوط رأسية ..

رجل وامراة منسيان ، يسيران على مهل بمحاذاة الأفق.

عيون معلقة في الفراغ اللانهائي ...  يدان متشابكتان منذ الأزل ....ورود جهنمية بيضاء تعد الخطى الواهنة ..

يتوسع المدى ، يتضاءل الجسدان ويذوبان فيه ..

وحدها العيون لا تذبل ، وتبقى محتفظة بذلك البريق الناري للنشأة الأولى . تكبر وتتوسع بحجم الأفق ..


 طفول زهران
12 \ 3 \ 2013

الأحد، 17 فبراير 2013

17 . 2. 2013



لا زال علي اكتشاف هدف حقيقي وواضح للكلمات ... 


أن تكون بلا هدف ولا معنى ، هو أن لا تحيا ، ما الذي ينقصني لأستطيع السيطرة على الكلمات وتحويلها إلى مادة تصلح للقراءة ؟؟ ..

هذا التبلد وعدم القدرة على مجاراة الكلمات ، يولد إحساسا مؤلما بالعجز ، عن أي ملكة وقدرة كتابية أتحدث إن كنت لا أستطيع أن أكتب شيئا ذا قيمة ؟ ..

كثر هم المهرطقون والثرثارون ، كثر جدا ، ولا ينقصهم أن أكون زائدا يظاف إلى زمرة البوهيميين الذين لا معنى لهم سوى إضافة عبء آخر على الحياة ، أو أولئك الذين يسفون بالكلمات وبأنفسهم وبالحياة فيها ، ماذا يعني أن أعيش بشكل عادي كأي أحد يمكن أن يستبدل بأي أحد آخر دون أن يحدث فرقا حقيقيا ؟؟!!


يقول الفيلسوف العظيم علي بن أبي طالب : ( الناس نيام ، إذا ماتوا انتبهوا ) ، هذا الوهم الكبير الذي نلهث خلفه ، هذا العبث اللانهائي ، هذا العالم الهلامي الذي تحدجنا منه عين اليقظة كعيون صقرية حادة تنتظر أن تنقض في أي لحظة ، ما القيمة الحقيقية منه ، إن كانت النهاية واحدة ومعروفة ومحسومة سلفا منذ الأزل وبشكل فطري ؟

 لم تكن طفرة معرفية حين وضع انسكمندريس أولى قواعد النشء والتطور منذ 600 عام قبل الميلاد ( إن كل ما ينشأ يصيبه الفناء ،  وكل ما يولد جدير بالموت ) ، لأننا ندرك فطريا حقيقة الوجود الإنساني المؤقت. غير أننا ببساطة كما عبر عنا جان جاك روسو ، نتصور الموت والفناء يلحق كل شيء لكن لا نتصوره في أنفسنا  ، وكأننا في عصمة منه .

الموت،  الهاجس التراجيدي الرومانسي الذي تعاطى معه الكثير من المفكرين والفلاسفة والأدباء بطرق مختلفة ، فنجد كاتب كبير كـ كازنتزاكيس يستجدي الوقت ( يخطر لي أن أجلس على قارعة الطريق وأمد يدي للناس : صدقة يا محسنين ، قليل من الوقت ، حبا في الرب ) لأنه في زاوية قصية من عقله يقرع هاجس الموت الذي قد يسلب منه مشاريعه ورغبته المحمومة في الكتاب : ( أريد ما يكفي من الوقت لأنهي ما أفكر بكتابته ، وبعدها فليأت كيرون !! ) ، في حين نجد كاتبا كـ بورخيس أو كما يسميه الأرجنتينيون ( عنقاء بوينس أيرس ) ينازعه هاجس آخر غير موت ، إنه الخوف من نقيضه ، الخلود ( أنا لا أخاف الموت ، لكنني أخاف الخلود ) ، إذ يتساوى في لحظة ما ذلك التمسك الفطري بالحياة بذلك الخوف الفطري في المقابل من اللانهاية . فيبدو الموت في تصوره البسيط أقل قسوة من الأبدية .

مابعد الموت ،الكون البرزخي المثير للفضول ، الذي دفع الكثير من الفضوليين الرومانسيين إلى اقتحامه طوعا ، هذا ما فعله أحد شعراء اليابان حين انتحر بطريقه كلاسيكية ، ورسم لوحة غاية في الجمال ، حيث انتحر بطريقة الساموراي الشهيرة ، مبعثرا حوله قصائده وقصاصة كتب عليها ( أنا ذاهب لاكتشاف العالم الآخر ) . أو كما فعل الفيلسوف الإغريقي إيمبيدوكلس بطريقة أسطورية تليق بإغريقي حين ألقى بنفسه في فوهة بركان صقلية إم تي إتنا معتقدا أن البركان سيطمس معالمه ويتحلل فيتصاعد إلى السماء ليصبح إلها.

ورغم كل هذه الشاعرية الحالمة في تصور الموت أو في ما بعد الحياة ، إلا أنه لا أكثر من إثبات لهذه الحلقة العبثية لملايين الملايين من النسخ المكررة ،  التي لم يذكر منها سوى بضع مئات من أولئك الذين عرفوا بعبقريتهم كيف يطبعون بصمات خالدة لا تتحلل مع أجسادهم الآيلة إلى التراب .

إنها ليست الرغبة المحمومة للشهرة ،  الشهرة مؤقتتة أيضا ، وضيقة جدا ، ولكنها الرغبة في مقارعة الحياة والسخرية من قانون العدمية والفناء ، إنه تحايل على الموت وتحايل على النهايات المكررة والمحسومة . ولان الحياة دموية تستعذب المأساة ، فإن السفاحين والقتلة يبلغون غاياتهم بسهولة أكبر من الشعراء والإنسانيين الذين قد لا يصلون أبدا .


طفول زهران 
17 \ 2 \ 2013


الجمعة، 15 فبراير 2013

16 . 2 . 2013





الإيماءات لغة الصباح في الغالب ، وأنا أحبها ..

يعجبني جدا هذا التفاهم الصامت والودود .. هزة صغيرة للرأس مصحوبة بابتسامة هادئة ، قد تعني "صباح الخير " .. التلويح باليد اليمنى قد يعني " مرحبا " .. رفع الإبهام قد تعني : " كل شيء تمام "  ، وضع اليد على الصدر وانحناءة صغيرة قد تعني: " شكرا" .... الخ ..

أشتاق للعودة للعمل المسرحي ..

المسرح اشتغال على الذات الإنسانية وانفعالاتها ، إنه يعني أن تكون في لحظة ما حقيقيا جدا وشفافا جدا. أن تكون ممثلا مسرحيا يعني أن تخضع لتشريح دقيق لنفسك ، لكي يتسنى لك أن تعيش اكثر من حياة في حياة .

لم أجد شيئا يتمكن من التربية والاحتواء كالمسرح ، لو كنا مسرحيون حقيقيون ، لاستطعنا أن نتحايل على المنغصات الكثيرة ، لكان الدور الذي نلعبه مع الحياة وفيها اكثر سهولة وأكثر جمالا .

التنوع .. هذا ما أبحث عنه ، لا أريد أن أعمل ذات الشيء يوميا ،  أريد أن أعمل كل ما هو متاح وممكن.

لا أشعر برغبة في الكتابة ..

إنه الأسبوع الثالث ، ولا زلت أنتظر أن يحدث شيئا مختلفا ... هذا الفراغ مرهق جدا .. ومضحك جدا ..

يخطر لي أنني في نهاية الشهر سأرفض استلام راتب من العمل على كل هذا اللاعمل ..


طفول زهران
16 / 2 / 2013


الأربعاء، 13 فبراير 2013

12 . 2 . 2013





(1)             
تجربة التعامل مع مجاهيل ، أمر مسل كثيرا .. أنه لحظات من البحث في مكنونات غير واضحة . لحظة التعرف على المعنى الحقيقي لانطباع أول وأخير تجاه العابرين في عجل هنا وهناك .

كم هو جميل أن تكون لطيفا مع الآخرين ، أمر مريح جدا أن تبتسم لكل شيء ،  حتى لحماقة وسذاجة البعض ..

هذه الحكاية المستمرة التي تقرأ بوضوح عبر الوجوه ، في صفاء ونقاء البعض ، والخطوط الغائرة في تقاسيم البعض الآخر، خصبة جدا تلتمع كوميض برقي سريع لا تلتقط أنفاسها . بعض الملامح آسرة ، لايمكن أن تتجاهل . أخجل من تمعني الطويل في الوجوه الجديدة ذات التقاسيم التي لا تشبه أحد ، لكن كيف لي إخفاء هذا الشغف المجنون بالبحث في الوجوه المختلفة عن ذلك الطابع المختلف لروح الإنسان وذلك التضافر المثير من الأضداد في مكان واحد وفي هيئة واحدة .

 العين بوابة الروح المشرعة ، إنها أجمل ما يمكن أن أطيل التأمل فيه ، ذلك الانبعاث الحسي اللاإرادي الذي ينثال عبرها ، يعادل كل الدواوين التي قرأتها والتي لم أقرأها حتى الآن . للعين صوت تراتيل جميلة وهادئة ، تسمعها الروح وتفهمها .


(2)

الغضب ، تعبير فاضح عن قلة الحيلة ، لاشيء يمكن أن يحل بالصراخ أو التعنت ، لطالما كانت الحكمة في التعقل والهدوء .

 تعلمت منذ فترة قريبة جدا كيف أصمت قبل أن أتكلم ، ومع ذلك لازلت كثيرة الأخطاء ،ولازلت كثيرة اللوم والمعاتبة لنفسي .........

الثرثرة فعل إنساني مخجل ، وفي كثير من الأحيان أجدني أقول ما لا ينبغي . أنسى أحيانا أن لا أتكلم إلا حين يجب وحين أحتاج أن أتكلم ، ولكن بالمقابل ألن أفقد مع ذلك قدرتي على التواصل مع الآخرين؟ . هل الثرثرة فطرة إنسانية ، هل خلق الإنسان ثرثارا كونه مخلوق ناطق ؟ . لا شيء يزعجني أكثر من حديثي عن ما لا معنى له ، الحديث من أجل الحديث فقط ، ذلك أمر مخجل علي التخلص منه ..

الصمت لذيذ جدا ، إنه يعطي العقل فسحة كافية لتمحيص الأفكار واستيعابها وإعادة إنتاجها ، كم سأكون ممتنة لنفسي لو أستطعت أن اكون أكثر صمتا ..


طفول زهران 
12 \ 2 \ 2013


الثلاثاء، 12 فبراير 2013

11 . 2 . 2013




(1)
أستغرب جدا هذا التغير المفاجئ الذي طرأ على شخصيتي .

حين أقف على مرتفع ما وأنظر إلى نفسي قبل أقل من عام وإليّ الآن أكاد لا أعرفني ، وأدرك كم كنت مجنونة ومتهورة ومندفعه في الكثير من الأمور .. ولكن في أقل من عام أشعر أنني كبرت كثيرا وربما شخت ، هل أصبحت أخاف من المغامرة وأخاف عواقب تكسير الكثير من القيود التي لطالما حاربتها ؟

لكن ما أستغربه أكثر أنني أشعر أشعر بالخجل من نفسي عند تذكر كل ذلك الجنون ، وأفضلني كثيرا كما أنا الآن !! ..

كثير من الأمور التي كنت أبيحها لنفسي أصبحت الآن في قائمة الممنوعات وفي درج مختوم بالشمع الأحمر ...

لعل ذلك أفضل كثيرا من سعي الحثيث لتدمير نفسي ..


(2)
في مكان يتجمهر فيه أناس في قمة أناقتهم ويبدون لأول وهلة أنه لا يمكن لكل هذه الأناقة الخارجية أن تخفي إلا أرواحا نبيلة ، تأتي التفاصيل الصغيرة لتعري الكثيرين من ثيابهم واناقتهم ، وتفضح عفنا مختبئا وراءها ..

رغم عدم جواز التشبيه ورغم اختلاف الموضوع ،  ينقدح إلى ذهني ما قاله ما نديلا في كتابه رحلتي الطويلة من أجل الحرية ، حين زج به وبرفاقه في السجن أول يوم وتم تجريدهم من الثياب لتفتيشهم ، وربما لإهانتهم ، نظر ما نديلا إلى جسده وأجساد رفاقه المجردين من الثياب ، وفكر : " لو أن الجسد هو من يحدد القائد ، لما صلح أي منا ليكون قائدا" .

الفرق أن عدم لياقة مانديلا ورفاقه الجسدية لم تأثر أبدا على لياقة أرواحهم ونبلها ،  في حين أننا نشهد الآن ذلك الاهتمام الكبير بالجسد بين رجل يعد عضلات جسده ويقيس عرض منكبيه ، وفتاة تحافظ على رشاقتها واستدارة خصرها ، وكسبت من هذه الحمى الأندية الرياضية وبرامج التخسيس ، وأصبح الكل يتبع حمية غذائية ، ولكن يبدو أن بعض الحميات القاسية طالت فكر وأخلاق الكثيرين ..

قد يقول قائل : ( الواحد عليه من أخلاقه ) ، أحيانا سوء أخلاق الأخرين تقيس أخلاقنا أيضا ..

طفول زهران
11 \ 2 \ 2013


الاثنين، 11 فبراير 2013

10 . 2 .2013




(1)

هل هناك أسعد من لحظة يفاجئك فيها جمال غير متوقع ؟ ...

هذه الرغبة العارمة لعناق كل شيء يصادفك ..

هذه الطاقة المتدفقه للحب والفرح ..

هذا البريق البلوري الذي يجعل كل شيء لامعا وبهيجا ... إنه فردوس جميل ..

فرحي اليوم يشبه فرح الـ .... لا أجد تعبيرا مناسبا ، فلم أرزق بشيء سعدت به كالذي تلقيته اليوم ..

لدري رغبة عارمة لأن أدير هذا الكرسي وأفتح النافذة المستقرة خلف ظهري ، أشرع ذراعي للمدينة وأصرخ وأضحك .. رغبة لأن أفعل أشياء مجنونة كثيرة ..

هل سأودع هذا المكان الجميل قريبا ؟ ...


(2)

هكذا تبدو الطرق في مسقط .... مدججة بالانتظار ..

هذا الكم الهائل من الآلات المتدفقة ، المختلفة الألوان والأحجام ، يحمل معه مواعيدا مختفة لأقدار مختلفة ..

عندما كنت أصغر سنا وأخضب مخيلة كنت أدهش من هذا الذي يجلس على طاولة أعلى السماء ينظر إلى الناس ويكتب قصصهم ، كم هو عبقري ليستطيع كتابة هذه القصص المتشابكة المليئة بالأعاجيب ، كنت أتصور أنه في زمن ما قادم ،  سيمل من كتابة هذه القصص ، وسيبدأ بتكرار قصصه القديمة من جديد ، لذا كنت كثيرة الحرص على أن أجعل من قصتي المكررة في زمن ما قادم ، قصة مختلفة ..

فقدان الرغبة في النوم ،  لا أكثر من عشق آخر للحياة ،  فحقيقة أن الإنسان يقضي ثلث عمره في النوم ، لأمر مرعب جدا ، فإن كنت سأعيش 30 عاما ، فذلك يعني أنني قضيت 10 أعوام في النوم . كم ذلك كثير !! ، في هذه العشرة أعوام التي تستنزف في اللاشيء عدى صناعة الأحلام التي تنسى بمجرد الصحو، يمكن أن أنجز أمورا أخرى مثلا 3 سنوات للدراسة ، و3 سنوات أخرى لدراسة أخرى ، و3 سنوات غيرها لدراسة غيرها .. وسأعطي نفسي عاما للنوم .. سأكون راضية هكذا ..

كنت أقول .. الطرق في مسقط ، مدججة بالانتظار !!

أفكر الآن جديا بالبحث عن وسيلة لسماع الكتب بدلا من قراءتها ، فهذه اللحظات التي أسرقها لقراءة أبيات من الديوان المستقر أمامي في مقدمة السيارة لا تكفي لأتشبع بالكلمات ، كما أن ال20 دقيقية ذهابا وإيابا ، أي 40 دقيقة يوميا أصبحت مضيعة للوقت ..

في الأسبوع الأول كنت أستمتع بهذا الزحام ، فتأمل وجوه الناس وانفعالاتهم داخل مركباتهم يثير في مخيلتي الكثير من الحكايات ، لكنني الآن أرى ذات الوجوه ، وذات الملامح ، وذات الانفعالات ، وما عاد الأمر مسليا كما كان ، كما أن كثرة تحديقي في الوجوه يثير استغراب وربما استنكار من يلمحني هكذا شاردة في الوجوه ..

سأكون راضية جدا لو يوما قرأت ويوما تأملت ..

طريق عودتي إلى سكني رهان دائم بين الأشعة الحارقة للشمس المائلة للغروب ، وعيناي اللتان تقاومان لرؤية الخطوط المتقطعة على وجه الطريق ..

رغم قصر عمر الجمال ، إلا أنه غالبا ما يخلف وراءاه ألما كبيرا ..

 طفول زهران
10 / 2 / 2013